بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، يا رب أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات
أيها الإخوة ، لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم مصرع سيدنا جعفر بن أبي طالب وصاحبيه في مؤتة ، وكان قد أبلى فيهما بلاءً حسناً حزن عليه أشد الحزن ، قال تعالى :
(( لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ))
[ سورة آل عمران : 69]
حتى إنه قد قيل : إن أرحم الخلق بالخلق هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حزن عليه أشد الحزن ، وانطلق بنفسه ، وهو قمة المجتمع الإسلامي إلى بيت جعفر ليخفف وقع المصاب على أهله وأولاده ، فألفى زوجته تتأهب لاستقبال زوجها الغائب ، فهي قد عجنت عجينها ، وغسلت بنيها ، ودهنتهم وطيبتهم وألبستهم ، قالت أسماء زوجة جعفر : فلما أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدت هلالة من الحزن توشح وجهه الكريم ، فسرت المخاوف في نفسي ، غير أني لم أشأ أن أسأله عن جعفر مخافة أن أسمع منه ما أكره ، وقال : ائتني بأولاد جعفر ، فدعوتهم له ، فهبوا نحوه فرحين مزغردين ، وأخذوا يتزاحمون عليه ، كل يريد أن يستأثر به فأكب عليهم ، وجعل يقبلهم ، و يتشممهم ، وعيناه تذرفان من الدمع ، فقالت زوجة جعفر : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، ما يبكيك ؟ أبلغك عن جعفر وصاحبيه شيء ؟ قال : نعم ، لقد استشهدوا هذا اليوم ، عندئذ غاصت البسمة من وجوه الصغار لما سمعوا أمهم تجهش بالبكاء ، وجمدوا في أماكنهم ، كأن على رؤوسهن الطير ، أما رسول الله فمضى وهو يكفكف عبراته ، وهو يقول : اللهم اخلف جعفر في ولده ، اللهم اخلف جعفر في أهله ، ثم قال : لقد رأيت جعفراً في الجنة ، وله جناحان مضرجان بالدماء ، وهو مصبوغ القوادم .
أيها الإخوة ، هكذا كانت محبة النبي لأصحابه ، نحن ينقصنا الحب ، عندنا كتاب وسنة ومساجد ومؤتمرات ، وكتب ومؤلفات ، وأشرطة ومظاهر دينية ، ينقصنا أن يحب بعضنا بعضاً ، ذهب بنفسه وهو قمة المجتمع الإسلامي ليخفف وطأ الخبر عن أهله ، هكذا كانت رحمته بإخوانه .
اللهم صل ، وسلم ، وبارك على سيدنا محمد وعلى آله ، وأصحابه الطيبين الطاهرين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارض عنا ، وعنهم يا رب العالمين
والحمد لله رب العالمين