الحديث الثالث
عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهما ـ قال : سمعت رسول الله يقول : ( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان ) .
-----------------------------------------------------
معاني الكلمات :
بني : أقيم . خمس : أي دعائم . الإسلام : المراد هنا الدين . إقامة الصلاة : الإتيان بها والمداومة عليها .
الفوائد :
1- أن الإسلام بني على هذه الأركان الخمس ، فمن أنكر واحداً منها فليس بمسلم .
ومعنى الحديث : أن الإسلام بني على هذه الخمس ، خمس كالأركان والدعائم لبنيانه ، والمقصود تمثيل الإسلام ببنيانه ، ودعائمه هذه الخمس ، فلا يثبت البنيان بدونها .
2- المقصود بالإسلام هنا الإسلام الخاص الذي بعث به محمد .
لأن الإسلام في الكتاب والسنة له إطلاقان :
الإطلاق الأول : الإسلام العام .
كما قال تعالى : وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً .
وقال تعالى : ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً .
وقال سبحانه : هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا .
فالمقصود بالإسلام هنا الإسلام العام الذي يفسر بأنه : الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله .
الإطلاق الثاني : الإسلام الخاص .
وهو الذي بعث به محمد ، وهو الذي إذا أطلق لم يقصد إلا هــو على وجه الخصوص .
فالمقصود بقوله ( بني الإسلام .. ) يعني الإسلام الخاص الذي جاء به نبينا محمد .
3- أن أركان الإسلام ترتيبها بالأهمية على حسب ترتيب النبي لها في هذا الحديث .
4- أن الشهادتين أهم أركان الإسلام .
5- معنى شهادة أن لا إله إلا الله : أي لا معبود بحق إلا الله .
ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله : طاعته فيما أمر ، وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب ما نهى عنه وزجر ، وألا يعبد الله إلا بما شرع .
6- أن الإنسان لا يدخل بالإسلام إلا بالشهادتين .
ولذلك قال لمعاذ لما بعثه إلى اليمن ( ... فليكن أول ما تدعوهــم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول اللـــه فإن هم أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة .. ) .
وهذه الشهادة لا تنفــع قائلها إلا بسبعة شروط :
قال الشـــيخ عبد الرحمن بن حسن : لا بد في شـهادة أن لا إله إلا الله من سـبعة شـروط ، لا تنفع قائلها إلا باجتماعها ، وهي :
- العلم المنافي للجهل ، والدليل قوله تعالى : ﴿ إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ﴾ أي : بـ لا إله إلا الله ـ وهم يعلمون بقلوبهم .
وقال النبي : ( من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة ) . رواه مسلم عن عثمان
- اليقين المنافي للشـك ، قال تعالى : ﴿ إنما المؤمنـون الذين آمنـوا بالله ورسـوله ثم لم يرتابوا ﴾ .
وقال : ( أشـــهد أن لا إله إلا الله ، وأني رســــول الله ، لا يلقى الله بهما عبد غير شـــاك فيهما إلا دخل الجنة ) . رواه مسلم
وقال لأبي هريـرة : ( من لقيت وراء هذا الحـائط يشـهد أن لا إله إلا الله مسـتيقناً بها قلبه بشـره بالجنة ) . رواه مسلم
- الانقياد لها المنافي للترك ، قال تعالى : ﴿ ومن يسـلم وجهه إلى الله وهو محسـن فقد استمسك بالعروة الوثقى ﴾ .
- القبول المنافي للرد ، قال تعالى : ﴿ احشروا الذين كفروا وأزواجهم وما كانوا يعبدون ـ إلى قوله ـ إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ﴾ .
- الإخلاص المنافي للشرك ، قال تعالى : ﴿ ألا له الدين الخالص ﴾ .
وقال النبي : ( إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ) . رواه البخاري ومسلم
وقال : ( أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه ) . رواه البخاري
- الصدق المنافي للكذب ، قال تعالى : ﴿ ألم ، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ، ولقد فتنّا الذين من قبلهم فليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ﴾ .
وقال النبي : ( ما من أحـد يشـهد أن لا إله إلا الله وأن محمـداً رسـول الله من قلبـه إلا حـرمه الله على النار ) . رواه البخاري
- .المحبة لها ولأهلها ، والمعاداة لأجلها ، قال تعالى : ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ﴾ .
وقال تعالى : ﴿ لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ﴾ .
7- أن الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين ولذلك قال لمعاذ كما في الحديث السابق ( .. فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة ) .
- وهي عمــود الدين كما قال : ( رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة ) .
- وقد اتفق الصحابة على كفر تاركها .
قال : ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ) . رواه مسلم
وقال : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) . رواه الترمذي
8- وجوب إيتاء الزكاة لمستحقها ، وأن ذلك من أركان الإسلام . والزكاة قرينة الصلاة في كثير من المواضع :
قال تعالى : وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة .
وقال تعالى : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة
وقال النبي لمعاذ : ( ... فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات ... فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ ... ) .
9- وجوب صوم رمضان وأنه ركن من أركان الإسلام .
كما قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم .
10- وجوب حج بيت الله الحرام لمن كان مستطيعاً .
كما قال تعالى : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً .
11- سؤال : لماذا لم يذكر الجهاد مع أن الجهاد من أفضل الأعمال ؟
الجواب :
لأنه فرض كفايــة ولا يتعين إلا في بعض الأحــوال .
فائدة :
فرضت الزكاة وأنصبتها في السنة الثانية للهجرة .
فائدة :
فرض صوم رمضان في السنة الثانية للهجرة .
فائدة :
سمي شهر رمضان بذلك :
قيل : لأن الذنوب ترمض فيه ، أي تحترق ، وقيل : لأن فرضه كان في يوم حار .
الحديث الرابع
عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود قال : حدثنا رسول الله - وهو الصادق المصدوق : ” إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل إليه الملك ، فينفخ فيه الروح ، ويؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي أم سعيد ، فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها “ . رواه البخاري ومسلم
---------------------------------------------------------
معاني الكلمات :
الصادق : في جميع أقواله .
المصدوق : فيما أوحي إليه .
يجمع : يضم .
خلقه : أي تكوينه .
نطفة : أصل النطفة الماء الصافي ، والمراد هنا : منياً .
ثم يكون علقة مثل ذلك : هذا الطور الثاني الذي يمر به الجنين ، والعلقة هي الدم الجامد الغليظ .
مضغة : هذا الطور الثالث الذي يمر به الجنين ، والمضغة هي مضغة من لحم ، وسميت بذلك لأنها قدر ما يمضغ الماضغ.
الفوائد :
1- في هذا ذكر النبي أطوار الجنين في بطن أمه ، وأنه يتقلب في بطن أمه مائة وعشرون يوماً في ثلاثة أطوار ، فيكون في الأربعين الأولى نطفة ، ثم في الأربعين الثانية علقة ، ثم في الأربعين الثالثة مضغة .
قال تعالى في كتابه : يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة .
2- أن نفخ الروح يكون بعد تمام أربعة أشهر ، لقوله : ” ثم يرسل إليه الملك ... “ .
وينبني على هذا :
أ- أنه إذا سقط بعد نفخ الروح فيه فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين .
ب- أنه يحرم إسقاطه .
3- أن من الملائكة من هو موكل بالنفخ في الأجنة . والملائكة كثيرون ، وكل له عمل خاص به :
جبريل : موكل بالوحي .
وإسرافيل : موكل بالنفخ .
وميكائيل : موكل بالمطر .
ومالك : خازن الجنة .
وهناك ملائكة سياحة لمجالس الذكر ، وملائكة لسؤال الميت في قبره .
4- أن الملائكة عبيد يؤمرون وينهون ، لقوله : ” فيؤمر بأربع كلمات ... “ .
والملائكة عملهم عبادة الله وطاعته :
قال تعالى : يسبحون الليل والنهار لا يفترون .
وقال تعالى : ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون .
وقال تعالى : لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .
5- وجوب الإيمان بالقضاء والقدر ، لقوله تعالى : ” ويؤمر بكتب أربع كلمات : بكتب رزقه ... “ .
فكل شيء مكتوب ومفروغ منه .
والإيمان بالقضاء والقدر يتضمن أربع مراتب :
أولاً : العلم : أن تعلم أن الله يعلم كل شيء .
قال تعالى : إن الله كان عليماً حكيماً .
ثانياً : الكتابة : أن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء .
قال تعالى : إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير .
وقال : ” إن الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة “ . رواه مسلم
ثالثاً : الإرادة : فلا يكون شيء في السموات والأرض إلا بإرادته .
قال تعالى : إنا كل شيء خلقناه بقدر .
رابعاً : الخلق : أن كل شيء في السموات والأرض مخلوق لله .
قال تعالى : وخلق كل شيء فقدره تقديراً .
6- قوله ( ويؤمر بكتب أربع كلمات ... ) هذه الكتابة تسمى التقدير العمري .
وأقســام التقدير أربــع :
الأول : التقدير العام لجميع الأشياء في اللوح المحفوظ .
قال تعالى : ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير .
وقال تعالى : إنا كل شيء خلقناه بقـــدر .
وقال : ( إن الله كتب مقادير السموات والأرض قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ) .
الثاني : التقدير العمري .
كما في حديث الباب .
( وهذا التقدير يختلف عن التقدير الذي في اللوح المحفوظ بأن التقدير العمري يقبل التغيير والمحــو ، وأما الذي في اللوح المحفـــوظ فإنه لا يقبل التغيير ، بمعنى أن ما كتبه الله في اللوح المحفوظ لا يقبل المحو ولا التغيير ) .
قال تعالى : يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب .
قال الشيخ السعدي : ” يمحو الله ما يشاء ويثبت يمحو الله ما يشاء من الأقدار ويثبت ما يشاء منها ، وهذا المحو والتغيير في غير ما سبق به علمــه ، وكتبه قلمه ، فإن هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغيير ، لأن ذلك محال على الله أن يقع في علمــه نقص أو خلل ، ولهذا قال وعنده أم الكتاب أي اللوح المحفوظ الذي ترجع إليه سائر الأشيــاء ، فهو أصلها ، وهي فروع وشعب ، فالتغيير والتبديل يقع في الفروع والشعب “ .
ولهذا كان عمر يقول : اللهم إن كنت كتبتني شقياً فامحني واكتبني سعيداً .
وهذا يعني به الكتابة في صحف الملائكة لا الذي في اللوح المحفوظ .
الثالث : التقدير السنوي وذلك يكون في ليلة القدر .
كما قال تعالى : فيها يفرق كل أمر حكيم .
الرابع : التقدير اليومي .
ويدل عليه قوله تعالى : كل يوم هو في شـــــأن .
7- الحث على العلم الصالح والإكثار منه ، لأن الإنسان لا يدري متى يأتيه الموت .
قال تعالى : وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض .
وقال تعالى : سابقوا إلى مغفرة من ربكم .
8- التوكل على الله ، وعدم الخوف من الفقر ، لأن الرزق مكتوب .
9- أن الناس ينقسمون إلى قسمين لا ثالث لهما : شقي ، أو سعيد .
قال تعالى : فريق في الجنة وفريق في السعير .
وقال تعالى : فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق ... .
وقال سبحانه : وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ... .
10- التحذير من سوء الخاتمة .
وقد كان السلف رحمهم الله يخافون من سوء الخاتمة .
كان مالك بن دينار ، يقوم طول ليله قابضاً على لحيته ، ويقول : يا رب ، قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار ، ففي أي الدارين منزل مالك .
وبكى بعض الصحابة عند موته ، فسئل عن ذلك فقال : سمعت رسول الله يقول : ( إن الله تعالى قبض خلقه قبضتين فقال : هؤلاء في الجنة ، وهؤلاء في النار ) ولا أدري في أي القبضتين كنت .
قال ابن رجب : ” إن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس ، إما من جهة عمل سيء ونحو ذلك ، فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت “.
11- أن العبرة بالأعمال بالخواتيم .
وقد قال : ( إنما الأعمال بالخواتيم ) .
12- في قوله : ( إن أحدك يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ) جاء في رواية تبين معنى الحديث ، وهي : ( إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس ، وهو من أهل النار ) .
13- يجب على المسلم أن يحرص أن يطهر باطنه ، كما يحرص أن يطهر ظاهره .
14- التحذير من المعاصي والذنوب ، وخاصة الخفية .
15- الحذر من أن يغتر الإنسان بعمله الصالح .
16- قرب الجنة والنار من العبد .
وقال : ( إن الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله ، والنار مثل ذلك )