كان أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي يحرص على أموال الدولة فاشترط شرطا على رابطة الأدباء أنه لا يعطى مالآ للشعر الا اذا كان من قول الشاعر أما إذا كان محفوظ من قبل لا يعطى عليه شيء وكان الخليفة يحفظ القصيدة من أول مره وعنده غلام يحفظها من ثاني مره وعنده جاريه تحفظها من ثلاث .(كمبيوتر).
فيأتي الشاعر المسكين وقد كتب قصيده طوال الليل – فيقول السلام عليكم يأمير المؤمنين وعليكم السلام –أنا شاعر فحل فيقول الخليفة وما فحولتك –قال له نظرت (أي كتبت) قصيده طويلة قال له إن كانت من قولك أجزناك عليها قال نعم من قولي قال قل فيقول الشاعر قصيدته فيقول له الخليفة أنني أحفظها منذ زمن بعيد ويقولها له فيقول الشاعر كيف هذا توارد الأفكار في بيت أو اثنين وليس في قصيدة بأكملها فيقول الخليفة وهناك أيضا غيري من يحفظها فيقول نادوا فلان فيخرج الغلام من خلف الستار ويقول هذه القصيدة فيقول الشاعر هه؟ فيشك الشاعر أنه شاعر فيقول الخليفة لا وهناك أيضا من يحفظها غيره فيقول نادوا فلانة فتخرج الجارية من خلف الستار وتقول له هذه القصيدة .
فيقول الشاعر لا أنا لست بشاعر ويذهب إلى مكان اجتماع الشعراء فيحاكون ويحزنون على أحوالهم وما أصابهم
فجاءهم الأصمعى فقال لهم ما بكم ياقوم قالوا له ألا ترى ما نحن فيه نكتب القصيدة طوال الليل من نبات أفكارنا ثم نكتشف أن ثلاثة غيرنا يحفظونها قال لهم وأين يحدث هذا قالوا له عند أمير المؤمنين – قال ها إن في الأمر مكر وحيله دعوا الأمر لي.
فكتب قصيده طويلة ملونة الموضوعات والأفكار وتنكر في زى أعرابي حتى لا يعرفه أمير المؤمنين وكان الأصمعى في هذا الوقت من الشعراء المعروفين في مجالس الأدب والشعر وعند الخلفاء وذهب إلى الخليفة العباسي وجر معه ناقته ودخل الى المجلس حافيا قال السلام عليكم يأمير المؤمنين قال وعليكم السلام قال أنا شاعر من عرب الموصل وعندى قصيده قال له الخليفة أتعرف الشروط قال نعم إن كانت من قولي أعطيتني وزنها ذهب وإن لم تكن من قولي لا أجزى عليها – قال له الخليفة قل
قال الاصمعى هذه القصيدة:-
[center][center]صـــوت صـفـيـر الـبـلـبـل ** هــيــج قـلـبـي الـثـمـل
المـاء والـزهـر مــعــــا ** مــع زهـــر لـخـط المـقـل
وأنت يـا ســـيــد لـــي ** وســيــدي و مـــــولـلــي
فــكــم فــكــم تـيـمـني ** غــزيــــــــــــل عــقــيــقــــــــل
قــطــفــتـه مــن وجـنــة ** مـــن لــثــم ورد الخـجـل
فـــــقــــــــال لا لا لا لا ** و قــد غـــدا مــهــرول
والــخـــود مــالـت طــربا ** مــن فـــعـــل هذا الرجل
فــولــولــت وولـــولــت ** ولــي ولــي يـــا ويـــــــلـلـي
فـــقــالـت لا تــولــولـي ** وبــيــنــي الـلـــــــــؤلــــــــؤلــي
قــــالــت لـه حـيـن كــذا ** أنــهــض وجــــــد بـالمـقـل
وفــتــيــة ســقــــــــونــنـي ** قــهــيـــــــــــوة كــالـعــسـلـلي
شــمــمـتــهــا بـأنــفـــــــي ** أزكـــــــى مــــــن الــقــرنــفــل
فـي وسـط بـسـتــان حـلـي ** بـالــزهــر والــســـرور لـي
والــعــود دنــدنــدن لي ** والــطــبــل طـبـطـب طـبـلي
طـــبــطــب طــبــطـــــــب ** طــبــطــب طــبــــــــطـب لـــي
والــرقــص قــد طــاب لـي ** والـسـقـف ســقــسـق سـق لـي
شـــوا شــــوا وشــاهــش ** عـلـى ورق ســــفـــرجــــل
وغــرد الــقــمــري يـصيح ** مـــلـــل فـــي مــلــلـــــــــــي
ولــو تــرانــي راكــبــــــــــــا ** عـلـى حــمــــــــــار أهـــــزل
يــمــشــي عـلـى ثـلاثـــــــة ** كــمــشــيـــــــة الــعــرنــجــل
والـنـاس تـرجـم جـمــلي ** فــي الــســوق بالــقـلـقـلـلـي
والـكـل كــعـكــــــع كـعـكـع ** خـلـفـي ومـن حــــويـلـلـي
لـكـن مــشــيــت هــاربـــا ** مـن خــشــيــــة الــعــقـنـقـل
إلـــــى لــقــــــــــاء مـلـك ** مــعــظـــــم مـــبــجــــــــل
يـأمــــــــــــر لـي بِـخِـلـعَــةٍ ** حـــمــراء كــالـدم دم لــــي
أجـــــــــر فــيــهـا مـاشـيا ** مــبــغــــــــددا لـلــــذيــــــــــل
أنـــا الأديــب الألـمــعـي ** مــــن حــــي أرض الـمــوصـل
نــظــمــت قــطــعـا زخـرفـت ** يــعــجــز عــنــهــا الأدبـل
أقــول فـي مـــطــلــعــهـا ** صــــوت صــفــيــر الــبـلبل
فلم يستطيع الخليفة أن يحفظها لصعوبة كلماتها وتداخل حروفها ،
فنادى الغلام فلم يستطع شيئا غير أبيات متقطعة ..
فنادى الجارية فعجزت .. عندئذ قال الخليفة
أحضر ما كتبته عليها لنعطيك وزنه ذهبا ..
قال الأصمعي ورثت عمود رخام من أبي نقشت عليه القصيدة وهو على ظهر
الناقة لا يحمله إلا أربعة من الجنود ..
فانهار الخليفة وجئ بالعمود فوزن كل ما في الخزنة ...
وعندما أراد الخروج .. عرف الخليفة أنه الأصمعي ، وعرف منه سبب حيلته ..
فاتفق معه أن يعطي الشعراء وزن ما كتبوه ذهبا[/b][/color]